خبير إقتصادي: العقاريون يحاربون التنمية ولولا الملك عبدالله لأصبح السكن "مأساة"
04/03 14:16
طالب الخبير الاقتصادي عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري برفع رواتب الموظفين السعوديين في القطاع الحكومي والخاص، لأنها لم تعد تكفي لمستوى المعيشة، ويجب تعديلها لتحسين مستوى الدخل. وأكد العمري في حواره مع "سبق" على أن الفقر والبطالة والفساد، وتعثر المشاريع لدينا تعود لسوء الإدارة ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. كما تحدث العمري عن أهمية خصخصة الأندية الرياضية وقدرتها على الاستثمار الناجح للإدارات والجماهير وأعضاء الشرف، وإمكانية تحقيقها 18 مليار ريال سنوياً.
وعن التأمين يقول العمري: "هو تجربة حديثة للمجتمع السعودي وأحد أهم القطاعات رغم أنه ما يزال في قبضة "العصابات" الأجنبية التي تحارب السعوديين بشكل مخيف".
ويتناول الحوار مع العمري عدداً من المحاور الاقتصادية الأخرى، فإلى التفاصيل..
- ما توقعاتك للاقتصاد السعودي خلال الفترة القادمة؟
التوقعات إيجابية.. وباختصار سيكون للإنفاق الحكومي دور كبير في تعزيز الاستقرار والنمو والدعم لأغلب القطاعات الإنتاجية، ومن المتوقع مع استمرار أسعار النفط في مستويات فوق 100 دولار، زيادة النمو خلال السنة وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي التي توقعتها في حدود 4.5 % وقد يتجاوز هذا المعدل بسبب قوة الإنفاق الحكومي.
- كثيراً ما يردد الاقتصاديون والخبراء أهمية تنويع مصادر الدخل الوطني في المملكة.. وحتى الآن ما يزال الاقتصاد السعودي يعتمد بنسبة كبيرة على النفط.. كيف يمكن تنويع مصادر الدخل؟
هذا صحيح.. فنمو الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي المعتمد أساساً على دخل النفط الذي تصل نسبته 92 % من إيرادات الدولة العامة.. وهذا في رأيي يمثل مشكلة كبيرة، لأن الاقتصاد في هذه الحالة يصبح أسير الإنفاق الحكومي ومقيداً بالدخل الواحد فقط. ولو تلاحظ أنه ومنذ الطفرة الاقتصادية الأولى في السبعينيات الميلادية وحتى الآن، والاقتصاد السعودي ما يزال معتمداً على النفط رغم محاولات تنويع مصادر الدخل التي لم تحقق نجاحاً يذكر. وهذا أوجد حالة الانسداد، والعجز عن توفير فرص استثمارية وقطاعات إنتاجية جديدة، ما انعكس على زيادة أعداد العاطلين عن العمل، وزيادة الاستقدام، على الرغم من أن أغلب العمالة الوافدة التي تأتي للمملكة غير منتجة، وشهاداتها العلمية المتوسطة فما دون، وغير ماهرة في مهنها. وبالتالي زاد الاستيراد في كل شيء، واستهلاك المنتجات من الإبرة حتى الطائرة، وأصبحت وارداتنا كبيرة وسلة الاستهلاك السعودي اتسعت ولم يحدث تغيير فيها منذ بدايات الطفرة الأولى حتى الآن، كما أسلفت. وبدأنا نشاهد بعض الإعلانات عن مشاريع وقطاعات لتنويع الدخل لكن على الواقع يصعب تحقيقها، وبالتالي من المستحيل على سبيل المثال معالجة مشكلة البطالة إلا بتنويع القاعدة الإنتاجية للدخل وظهور قطاعات إنتاجية جديدة تمتص أعداد الشباب، وهذا أمر تغفل عنه وزارة العمل حالياً، لكنها ستعود بعد عدة سنوات إلى نقطة الصفر من جديد، كذلك يعاني اقتصادنا مشاكل المضاربات العقارية بسبب عدم وجود مشاريع استثمارية تستوعب رؤوس الأموال الضخمة، فزادت حدة المضاربات بين العقاريين وتضخمت العوائد، وهذا شبيه بما حدث في سوق الأسهم حيث تضخمت الأسعار وحدثت الخسائر.
أما المضاربات العقارية، فخرجت بالسوق من واقع الاقتصاد ومن قدرة المستهلك السعودي على تملك العقار، وبالتالي فشلت في تعزيز الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وأصبح العقار والعقاريون قطاعاً تنموياً يحارب التنمية ويحارب رفاهية المجتمع. ولولا تدخل خادم الحرمين الشريفين بتوجيهه وزارة الإسكان لمعالجة هذه المشكلة لأصبحت مأساة السكن كبيرة يعانيها المواطنون، وحتى الآن ما تزال المشكلة وإن خفت لكنها لم تحل بشكل نهائي. ويمكن القول إن عدم تنوع القاعدة الإنتاجية ورط الاقتصاد السعودي، وورط المستهلك، وورط الاستثمار وكان من أبرز نتائجه هروب رؤوس الأموال للخارج، وبطالة الشباب. كما تشير التقديرات إلى أن 30 تريليون ريال يتم تصديرها للخارج. وتعدد الصدمات التي يتعرض لها الاقتصادي السعودي أدت إلى بروز مظاهر الفقر في المجتمع، والبطالة والتضخم الذي قد يُدخل الكثير في دائرة الفقر.
- وما الحل في رأيك؟
ما يطرح من حلول حالياً هي جزئية دون النظر إلى المصدر الأساسي لها.. والحل يبدأ بالعمل الجاد على تنويع الدخل والإنتاج من خلال مشاريع جديدة.. وعندها ستنفرج المشاكل بشكل تدريجي.
- يمثل قطاع التأمين أحد أهم القطاعات الاقتصادية، لكنه حسب رأي الخبراء غير مستفاد منه بشكل كامل.. كيف يمكن استثماره بشكل يخدم الاقتصاد الوطني والمواطنين؟
التأمين قطاع ناشئ وواعد.. ويمثل حالياً 1% من الاقتصاد السعودي، وهذه النسبة ضعيفة وبعيدة جداً عن المعدل العالمي الذي قد يتجاوز 6 %. والتأمين تجربة حديثة للمجتمع السعودي، ومن أهم القطاعات استثمارياً، وعلى الرغم من الجاذبية الاستثمارية والخيار الاجتماعي والتنموي الهام، فإن هذا القطاع ما يزال يقع في قبضة العمالة الأجنبية والمستثمر الأجنبي الذي يحرص على منح الفرص الوظيفية في هذا القطاع للعمالة الأجنبية التي تحارب السعوديين بشكل مخيف. فالسعوديون في هذا القطاع لا يتجاوزون 7 % ورواتبهم متدنية في بعض الشركات ويمثلون 4 % يعملون في وظائف هامشية لا تقدم ولا تؤخر، ما يعكس أمراً يشمل أغلب الشركات التعاونية العاملة في هذا القطاع، وأنها واقعة تحت سيطرة العمالة الأجنبية خاصة اللبنانية والهندية، وهي أكثر الجنسيات المسيطرة على التأمين في المملكة. وكنت قد قمت بإجراء دراسة علمية ووجدت أن بعض المديرين الكبار الأجانب في شركات التأمين رواتبهم ومكافآتهم وحدهم تعادل 3 أضعاف رواتب الموظفين السعوديين، وهذه مهزلة أخرى. كما بينت الدراسة أن هناك تبايناً في رواتب الموظفين السعوديين وزملائهم الأجانب الذين يقومون بالمهام والمسؤوليات نفسها، ولكن فرق الرواتب بينهم يمثل 5 أضعاف؛ فحين يتقاضى السعودي 5 آلاف أو 6 آلاف شهرياً يتقاضى زميله الأجنبي 30 ألف ريال راتباً شهرياً، وهذا يبين سيطرة "عصابات" العمالة الأجنبية، وللأسف أنه على مرأى ومسمع من مؤسسة النقد السعودي ووزارة العمل، ما يجعلنا نطالب بتوفير بيئة عمل ملائمة للمواطن السعودي وحمايته من هذه التصرفات الخاطئة، والعمل على تصحيحها والتدخل للقضاء على أخطر السرطانات في هذا القطاع، فالقيمة المضافة تذهب للخارج وتحرم اقتصادنا ومجتمعنا منها.
- صدر قرار سمو أمير الرياض بالسماح للشباب بدخول الأسواق العامة والمولات الكبيرة.. فهل تعتقد أن لهذا الأمر جوانب اقتصادية إيجابية؟
هذه الشريحة الشابة تمثل من 30 % إلى 35 % من مرتادي الأسواق ومن المجتمع عموماً، خاصة لمن هم في سن 15 عاماً.. لكن هذا لا يكفي، يجب إيجاد قنوات ترفيه لهم، لأن غياب حقول الترفيه الشبابية في المجتمع ظاهرة لا بد من معالجتها بشكل عاجل، فالشباب السعودي لا يجد أمامه إلا الملاعب الرياضية، والأسواق، والمقاهي التي عودت الشباب على التدخين والشيشة وأمور أخرى سيئة، ومن المستحسن وجود مجالات جديدة تمتص طاقات الشباب وتسهم في تنمية شخصياتهم وتعزز روحهم الوطنية.
- مثل ماذا؟
مثل تشجيع الشباب على ممارسة أعمال التجارة من خلال دعمهم بدورات تدريبية مجانية تقيمها الغرفة التجارية لخريجي الثانوية، والسعي لإيجاد فرص عمل حقيقية تصقل شخصيتهم وتجعلهم مواطنين يتحملون المسؤولية من خلال وضع برامج دائمة توظف طاقات الشباب وتزودهم بالمهارات الأدبية والشعرية والثقافية، لأن مجرد فتح الأسواق لهم لا أثر اقتصادي له.
- بعد فترة من تطبيق قرار تأنيث المحلات النسائية في الأسواق.. كيف تقيّم التجربة الوليدة حتى الآن؟
له إيجابيات كثيرة اقتصادية وأخلاقية واجتماعية.. لأن تأنيث المحلات وسّع فرص العمل أمام المرأة السعودية. وفي المملكة لدينا مشكلة بطالة الخريجات السعوديات التي بلغت نسبتها 90 %، وهذه الأرقام رصدت بناء على المتقدمات لبرنامج حافز.. وسبب بطالتهن يعود إلى أن فرص العمل أمامهم كانت محدودة جداً، والدولة دفعت فاتورة تعليم العام والجامعي والابتعاث ما يقارب 2 تريليون ريال، من أجل فتح مجالات العمل والاستفادة من أبناء وبنات الوطن في مختلف الأعمال، وليس لتوظفهم في محلات الملابس النسائية وفي الأسواق فقط. وفي رأيي أن هذا يعود لغياب العقل في وزارة العمل، فوجود 8 ملايين عامل أجنبي يعني أن سوق العمل به فرص عمل كثيرة للمرأة السعودية تحفظ احترامها وحشمتها، كالعمل عن بعد وبالتالي يمكنها أن تؤدي أدوارها المهمة في المجتمع. فعلى سبيل المثال تشدد وزارة العمل على جعل بعض الشركات والمؤسسات الخاصة تسفر عمالتها لبلادها ثم تتعاقد معهم عن طريق العمل عن بعد باستخدام التقنية. وهنا لا بد من توفير فرص وظيفية للمرأة السعودية بما يساعد على تحسين وضعها الأسري والاجتماعي، ويلائم مؤهلاتها الجامعية والتعليمية العالية.
- ما رأيك في تصريح رئيس غرفة جدة صالح كامل الأخير، الذي حذر فيه المواطنين من الوقوع في الارتفاعات المبالغ فيها التي تشهدها سوق الأسهم، وأن ذلك سيؤدي إلى كارثة جديدة؟
أولاً، صالح كامل ليس حريصاً على المواطنين، وكلامه هذا ليس حرصاً على المستثمرين، فممارساته التجارية لم تكن في يوم من الأيام لمصلحة وحاجة المستهلك السعودي، بل كانت ضده، وتصريحه الأخير في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب.. والسؤال هو: أين كان حرص صالح كامل من ارتفاع أسعار العقار؟ وأين كان من أزمة الأسمنت والحديد والشعير؟ أين كانت أدواره هو وغيره من التجار عندما يتعرض المواطنون للاستغلال؟ أين مسؤولياتهم الاجتماعية، والوطنية، والدينية تجاه المجتمع؟ لماذا الآن خرج علينا يتحدث بمثل هذا الكلام؟ في رأيي أن سوق الأسهم طالما فيه متعامل لا يعرف كيف يشتري ولا كيف يبيع، ويخاطر بمدخراته في أمور لا يفهمها، فاعلم أن السوق والمتعاملين في خطر.. وأغلب المتعاملين يحتاجون إلى دورات تدريبية وتوعوية، سواء برسائل الجوال أو من خلال ورش العمل حتى يفهموا دورة العمل ويخففوا من المخاطر، لأن بقاء الحال كما هو عليه خطير جداً، وعلى هيئة سوق المال التحرك لحماية المتعاملين.. وللمعلومية فأغلب المواطنين أصبحوا واعين تماماًَ لتصريحات التجار مثل صالح كامل وغيره، ويعلمون أبعادها التجارية لأنها ليست في مصلحة الناس.. لذا فالسكوت لهؤلاء التجار أحسن لأننا أصبحنا نعرف جيداً منطلقاتهم.
- يكثر الحديث عن أهمية خصخصة الأندية الرياضية، وإعادة تنظيمها على أساس احترافي واقتصادي.. كيف ترى هذا الموضوع؟
نعم.. لقد عانت الأندية الرياضية السعودية من سوء التنظيم المالي والإداري وقلة الدعم. وفي رأيي أن الاستثمار في الأندية سيسهم في توفير فرص عمل للشباب السعودي، وسيعيد ترتيب أوضاع الأندية من الناحية المالية والإدارية للأحسن، وسيجذب شركات الاستثمار الكبيرة للعمل الإستراتيجي من خلال طرح منتجات استثمارية تجمع مصالح الجماهير، وأعضاء الشرف، والإدارات والنادي، من خلال صناديق استثمارية في العقار والأسهم.. الخ. ومشروع مثل هذا من الممكن أن يقدم للأندية الممتازة 18 مليار ريال سنوياً. وسيحولها لكيانات تجارية ومالية واقتصادية ناجحة، وتحول مشجع ومحب النادي إلى مستثمر في رأس ماله. وأنا أتحدث عن تجربة شخصية، فقد كنت عضو مجلس إدارة في النادي الأهلي، ورغم نموذجية النادي الأهلي، إلا أنني أعلم جيداً ما يدور في الأندية الأخرى من ممارسات إدارية غير احترافية، وهناك نماذج إدارية في بعض الأندية غير مؤهلة لتولي مناصبها. والمشكلة التي تعانيها الأندية الرياضية عدم وجود مؤهلين يفهمون العمل الإداري ويدركون كافة المسائل، وحالياً هناك أخطاء في الأندية والاتحاد السعودي ودوري زين، تتكرر باستمرار دون معالجة.
- يشتكى الكثيرون من المواطنين من عدم كفاية رواتبهم ويطالبون برفعها.. من زاويتك المتخصصة هل ترى ضرورة رفع الرواتب؟
نعم.. رواتب السعوديين لا تكفي.. وهناك إمكانية لتحسين الدخل ورفع مستواه، وهي قابلة للتحقق لو كانت بيئة سوق العمل تتمتع بالشفافية، ومراعاة مصالح وحقوق السعوديين والسعوديات. وهناك سعوديون يعملون في القطاع الحكومي والخاص، ورواتبهم على حد الكفاف، وهناك إمكانية كبيرة في رفع مستوى دخلهم دون الإضرار بمستويات التضخم. فعلى سبيل المثال قال مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، عندما سئل: لو تسلمت دفة الاقتصاد السعودي ماذا ستفعل؟ وكان جوابه رفع مستوى دخل المواطن السعودي. ومهاتير عندما يقول ذلك لا يتحدث من فراغ بل من تجربة كبيرة في إدارة الاقتصاد الماليزي القوي أذهلت العالم، حققت نجاحاً كبيراً للمجتمع الماليزي، ونحن نحتاج إلى تجربة على أرض الواقع لرفع مستوى الدخل والرواتب التي لم تعد تكفي.
- يعد الفقر ظاهرة طبيعية في المجتمعات، لكن في المجتمع السعودي الغني، هل يمكن الحد من الفقر؟
بكل سهولة.. فالسعودية ليست مختلفة عن بقية المجتمعات.. والفقر والبطالة والفساد وتعثر المشاريع عندنا هي أغلبها نتائج لمشاكلنا.. لأننا لا نقضي على المرض وأساس البلاء المتمثل في سوء الإدارة ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب في القطاع الحكومي والخاص، فتخيل أن المتخصص في الجغرافيا يصبح مديراً للمشاريع التنموية، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.. لذا فأغلبهم عندما يتولى الإدارة "يجيب العيد". لذا فسوء الإدارة في مجتمعنا هو أساس المشاكل، وعلاجه يكون بوضع الرجل المناسب في المنصب المناسب، عندها تأكد أن كافة مشاكلنا التنموية ستذوب وتختفي الترهلات والتعثرات ومظاهر الفقر والبطالة.