أفق أخي
الحبيب من هذه الغفلة فقد ذهب أولئك العبّاد المجتهدون رهبان الليل ،
وبقي لنا قرناء الكسل والوسادة !!
قال سعيد بن المسيب رحمه الله : إن الرجل ليصلي بالليل ، فيجعل الله
في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم ، فيراه من لم يره قط فيقول : إن
لأحبُ هذا الرجل !! .
قيل للحسن البصري رحمه الله : ما بال المتهجدين بالليل من أحسن
الناس وجوها ؟ فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره .
صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله – الفجر خمسين
سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم.
كان شريح بن هانئ رحمه الله يقول :ما فقد رجل شيئاً أهون عليه من
نعسة تركها!!! ( أي لأجل قيام الليل ) .
قال سليمان بن طرخان رحمه الله : إن العين إذا عودتها النوم اعتادت ،
وإذا عودتها السهر اعتادت .
أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحم الله ، فقال له
: يا حسين : ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب :
كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟!! أليس كل حبيب يخلو
بحبيبه ؟!! ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل ،.....، غداً أقر
عيون أحبائي في جناتي .
قال ابن الجوزي رحمه : لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة [ كذب من
أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ] حلفت أجفانهم على جفاء النوم .
قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت نفسي أربعين عاماً ( أي
جاهدتها وأكرهتها على الطاعات ) حتى استقامت لي !!
كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول يا أمّارة
بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة .
كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه
لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما
ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : إذا لم تقدر على قيام الليل
وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ، كبلتك خطيئتك .
قال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله : إني لا أقدر على قيام الليل
فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل
، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق
ذلك الشرف .
قال سفيان الثوري رحمه الله : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب
ذنب أذنبته .
قال مسعر بن كدام رحمه الله حاثاً على عدم الإكثار من الأكل :
وجدت الجوع يطرده رغيف *** وملء الكف من ماء الفرات
وقل الطعم عـون للمصلـي *** وكثر الطعم عـون للسبات
كان العبد الصالح عمرو بن عتبة بن فرقد رحمه الله يخرج للغزو في
سبيل الله ، فإذا جاء الليل صف قدميه يناجي ربه ويبكي بين يديه ، كان
أهل الجيش الذين خرج معهم عمرو لا يكلفون أحداً من الجيش بالحراسة
؛ لأن عمرو قد كفاهم ذلك بصلاته طوال الليل ، وذات ليلة وبينما عمرو بن
عتبة رحمه الله يصلي من الليل والجيش نائم ، إذ سمعوا زئير أسد مفزع
فهربوا وبقي عمرو في مكانه يصلي وما قطع صلاته !! ولا التفت فيها !!
فلما انصرف الأسد ذاهبا عنهم رجعوا لعمرو فقالوا له : أما خفت الأسد
وأنت تصلي ؟!! فقال : إن لأستحي من الله أن أخاف شيئاً سواه !!
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أفضل الأعمال ما أكرهت إليه
النفوس .
كان العبد الصالح عبد الواحد بن يزيد رحمه الله يقول لأهله في كل ليلة :
يا أهل الدار انتبهوا !! ( أي من نومكم ) فما هذه ( أي الدنيا ) دار نوم ،
عن قريب يأكلكم الدود !!
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو
كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا
عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم
يصلي إلى الفجر .
رأى أحد الصالحين في منامه خياماً مضروبة فسأل : لمن هذه الخيام ؟!!
فقيل هذه خيام المتهجدين بالقرآن !! فكان لا ينام الليل!!
كان شداد بن أوس رضي الله عنه إذا دخل على فراشه يتقلب عليه
بمنزلة القمح في المقلاة على النار!! ويقول اللهم إن النار قد أذهبت
عني النوم !! ثم يقوم يصلي إلى الفجر .
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : إني لأستقبل الليل من أوله
فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأُصبح وما قضيت نهمتي ( أي ما شبعت
من القرآن والصلاة ) .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : كان يقال : من أخلاق الأنبياء والأصفياء
الأخيار الطاهرة قلوبهم ، خلائق ثلاثة : الحلم والإنابة وحظ من قيام
الليل .
كان بعض الصالحين يقف على بعض الشباب العبّاد إذا وضع طعامهم،
ويقول لهم : لا تأكلوا كثيرا ، فتشربوا كثيرا ، فتناموا كثيرا ، فتخسروا
كثيرا !!
وأخيراً أخي الحبيب قم ولو بركعة واختم بهذا الحديث قال صلى الله عليه
وسلم { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية
كُتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين }
[رواه أبو داوود وصححه الألباني ] والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من
الأجر .