الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحبه أجمعين.. أما بعد :
فهذا عرض مختصر لأحكام الشتاء نستعرض فيه أهم الأمور التي تطرأ في فصل الشتاء ويحتاج المسلم لمعرفة أحكامها من المسح على الجوارب وغيرها من الأمور المهمة .. وكذلك الأمور التي يستحب للمسلم اغتنامها في هذا الفصل ..
وصية عمر الشتوية
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية : إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب ، واتخذوا الصوف شعارًا ( وهي ما يلي البدن ) ودثارًا ( الملابس الخارجية ) فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه .
ومن كلام يحيى بن معاذ : الليل طويل فلا تقصره بمنامك والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك .
و عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : مرحبًا بالشتاء ، تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام .
ومن درر كلام الحسن البصري قال : نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ، ونهاره قصير يصومه .
وعن عبيد بن عمير رحمه الله أنه كان إذا جاء الشتاء قال : يا أهل القرآن ! طال ليلكم طويل لقراءتكم فاقرؤوا ، وقصر النهار لصيامكم فصوموا .
الغنيمة الباردة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) رواه أحمد وحسنه الألباني
قال الخطابي : الغنيمة الباردة أي السهله ولأن حرة العطش لاتنال الصائم فيه .
قال ابن رجب : معنى أنها غنيمة باردة أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة ، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة .
فحري بك اقتناص هذه الغنيمة لا سيما في الأيام الفاضلة مثل الاثنين والخميس أو الأيام البيض ونحو ذلك .
نفس الشتاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضًا فأذن لي بنفسين ، نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ) متفق عليه ، والمراد بالزمهرير شدة البرد .
قال ابن رجب : فإن شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم .
وهذا مايوجب الخوف والاستعاذة منها ، فأهل الإيمان كل ما هنا من نعيم وجحيم يذكرهم بما هناك من النعيم والجحيم حتى وإن شعر القوم بالبرد القارس فيدفعهم هذا إلى تذكر زمهرير جهنم ، ويوجب لهم الاستعاذة منها ، ويذكرهم بالجنة التي يصف الله عزوجل أهلها فيقول عزوجل ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) الانسان13 ، قال ابن رجب : فنفى عنهم شدة الحر والبرد .
قال قتادة : علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا . فيدفعهم هذا إلى النصب وإلى التهجد فكل ما في الدنيا يذكرهم بالآخرة .
إسباغ الوضوء على المكاره
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط ) رواه مسلم
قال القاضي عياض : وإسباغ الوضوء تمامه ، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحوه .
قال ابن رجب : فإن شدة البرد لدينا يذكر بزمهرير جهنم ، فملاحظة هذا الألم الموعود يهون الإحساس بألم برد الماء
مسألة : قال الشيخ ابن عثيمين عن بعض المصلين : لا يفسرون – أي يرفعون – أكمامهم عند غسل اليدين فسرًا كاملاً ، وهذا يؤدي إلى أن يتركون شيئًا من الذراع بلا غسل وهو محرم ، والوضوء معه غير صحيح ، فالواجب أن يفسره كمه إلى ما وراء المرفق مع اليد لأنه من فروض الوضوء .
مسألة : لا بأس بتسخين الماء للوضوء ، قال ابن المنذر : الماء المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها . الأوسط 1/250 .
وقال الأبي في إكمال المعلم 2/54 : تسخين الماء لدفع برده ليقوي على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور .
فلا إفراط ولا تفريط والشرع لم يتعهدنا بالمشاق .
الجزاء من جنس العمل
قد صح عن ابن عمر مرفوعا : ( .. ولم يمنعوا – أي العبادة – زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ) رواه ابن ماجة وغيره وحسنه الألباني ، وعن بريدة مرفوعا : ( .. ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ) رواه الحاكم وصححه الألباني ، وعن مجاهد قوله في تفسير آية ( وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )البقرة 159 ، قال : دواب الأرض تقول إنما منعنا المطر بذنوبكم .
إطفاء النار والمدفئة قبل النوم
عن أبي موسى رضي الله عنه قال : احترق بين في المدينة على أهله ، فحدث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن هذه النار إنما عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) رواهما البخاري ومسلم .. وقال الحافظ بن حجر : وحكمة النهي هي خشية الاحتراق ، قم قال : قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالبًا ، ويستنبط منه أنه متى وجدت الغفلة حصل النهي .
فيستفاد منه الحذر الشديد من إبقاء المدافئء مشتعلة حالة النوم والحوادث لاتخفى في ذلك فتبنه .
المسح على الجوارب والخفين والعمائم
الخف ما يلبس على الرجل مما يصنع من الجلد
والجورب : ما يلبس عليها مما يضع من القطن ونحوه وهذا المعروف بـ ( الشراب أو الدلاغ )
ثبت في السنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح على الخفين
شروط المسح
1- إدخالهما بعد تمام طهارة الوضوء
2- أن يكون طاهرين من النجاسة
3- أن يكون المسح عليهما في الحدث الأصغر لا الأكبر كالجنابة أو ما يوجب الغسل
4- أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعًا وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر
توقيت المسح
1- يبدأ المسح من أول مسحه بعد الحدث وتنتهي بعد أربع وعشرين ساعة للمقيم واثنين وسبعين للمسافر لحديث علي : ( وقت لنا رسول الله في المسح للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها ) رواه مسلم
2- إذا انتهت المدة وهو على طهارة مسحه لم ينتقض وضوءه .
صفة المسح
أن يمسح الخف أو الجورب من أعلاه من أطراف الأصابع إلى ساقه لقول علي ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه ) رواه أبو داود
أسأل الله لنا ولكم التوفيق في الدارين.....
(( صيد الفوائد ))